مواقع التواصل الاجتماعي

متابعة

الاستثمار الثقافي في السعودية: كيف يحقق كل دولار 2.5 دولار في الاقتصاد؟

رئيس التحرير
نشرت منذ يوم واحد يوم 30 أكتوبر, 2025-0 مشاهدة

عندما صرّح وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم خلال مؤتمر الاستثمار الثقافي 2025 بأن كل دولار يُنفق في القطاعات الثقافية والإبداعية يولّد 2.5 دولار في القطاعات الاقتصادية الأخرى، بدا ذلك للبعض مبالغة، لكنه في الحقيقة يستند إلى منطق اقتصادي وتجارب عالمية مثبتة. الثقافة لم تعد مجرد نشاط ترفيهي أو عنصر جمالي في المجتمع، بل أصبحت قاطرة للتنمية الاقتصادية وركيزة أساسية في خطط التنويع الاقتصادي التي تسعى إليها المملكة ضمن رؤية 2030

حقيقة تحقيق دولار ل2.5 دولار في الاقتصاد

ما هو الاقتصاد الثقافي ولماذا هو مختلف؟

الاقتصاد الثقافي يُقصد به جميع الأنشطة التي تقوم على الإبداع والمعرفة والهوية الثقافية، وتشمل الفنون، السينما، الموسيقى، الأدب، التراث، التصميم، والإعلام. ما يميز هذا القطاع أنه يخلق قيمة مزدوجة:

  1. قيمة مباشرة من خلال الوظائف والمبيعات والإيرادات.
  2. قيمة غير مباشرة عبر تحريك قطاعات أخرى مثل السياحة، الضيافة، النقل، التجارة، وحتى التكنولوجيا.

لهذا السبب يعتبره الاقتصاديون قطاعًا محفزًا، لأن إنفاقًا صغيرًا فيه قادر على تحريك عجلة قطاعات أكبر بكثير.

اقرأ أيضا: لماذا يفضل اليابانيون العمل الجماعي؟ 5 أسرار من ثقافتهم

من أين جاء رقم 2.5 دولار عائدًا مقابل كل دولار إنفاق؟

الوزير لم يأتِ بالرقم من فراغ؛ بل هو يعكس نتائج دراسات قياس الأثر الاقتصادي. في علم الاقتصاد، يُطلق على ذلك المضاعف الاقتصادي (Economic Multiplier)، وهو مقياس يوضح كيف أن إنفاقًا في قطاع معين يتسرب إلى قطاعات أخرى ويُحدث إنفاقًا إضافيًا.

  • في إيطاليا، أظهرت دراسة عن الاستثمار في التراث أن كل يورو يُنفق يولد نحو 2.5 يورو في الاقتصاد المحلي.
  • في المملكة المتحدة، وجدت البلديات أن الاستثمار في المتاحف والفنون قد يحقق عوائد تصل إلى 4 أضعاف المبالغ المستثمرة.
  • في سلوفاكيا، بينت دراسة عن فعالية ثقافية أن إنفاق الزوار تضاعف تقريبًا مرتين عندما احتُسب أثره غير المباشر على الفنادق والمطاعم والخدمات.

إذن، الرقم 2.5 ليس افتراضًا نظريًا، بل يعكس متوسطًا منطقيًا لما يمكن أن تحققه الفعاليات والأنشطة الثقافية.

الأدلة من السعودية: كيف يتحقق الأثر الاقتصادي للثقافة؟

1. الوظائف وفرص العمل

بحسب بيانات وزارة الثقافة، يعمل في القطاعات الثقافية أكثر من 235 ألف شخص، مع تدريب نحو 5000 شخص إضافي سنويًا. هذه الأرقام تعني أن الثقافة لم تعد قطاعًا صغيرًا بل سوق عمل متنامٍ قادر على امتصاص الطاقات الشابة.

2. السياحة الثقافية

في عام 2023 استقبلت المملكة أكثر من 100 مليون زائر داخلي ودولي، أنفقوا ما يفوق 250 مليار ريال سعودي. جزء كبير من هذا الإنفاق ارتبط مباشرة بالأنشطة الثقافية مثل المهرجانات، المعارض، والمواسم الفنية. هنا يظهر كيف تتحول الثقافة إلى مغناطيس سياحي يرفع عوائد الفنادق والمطاعم والنقل.

3. الفعاليات الكبرى

برامج مثل موسم الرياض وموسم جدة خلقت تأثيرًا اقتصاديًا ملموسًا: ملايين الزوار، مليارات الريالات في الإنفاق، وترويج عالمي لصورة المملكة الجديدة. هذه الفعاليات لم ترفع فقط عوائد الترفيه، بل حفزت التجارة والخدمات اللوجستية والتسويق والإعلام.

اقرأ أيضا: أفكار مشاريع صغيرة للشباب

4. التحول من عجز إلى فائض

أوضح الوزير أن المملكة نجحت في الانتقال من ميزانية ثقافية سلبية إلى ميزانية إيجابية خلال فترة قصيرة، بفضل حسن إدارة الفعاليات والمشاريع. هذا التحول يؤكد أن الإنفاق الثقافي استثمار مربح، وليس عبئًا ماليًا.

لماذا الثقافة محفز اقتصادي متعدد الأبعاد؟

لفهم قوة هذا القطاع، يمكن تقسيم أثره إلى أربع دوائر مترابطة:

  1. الأثر المباشر: إيرادات التذاكر، مبيعات الكتب، عقود الإنتاج الفني.
  2. الأثر غير المباشر: تشغيل الفنادق، المطاعم، النقل، مكاتب السياحة.
  3. الأثر المُحفّز: إنفاق العاملين في المجال الثقافي رواتبهم في قطاعات أخرى.
  4. الأثر طويل الأمد: تحسين صورة المملكة عالميًا، جذب الاستثمارات، زيادة جودة الحياة، ودعم الابتكار.

بهذا المنظور، يصبح مضاعف 2.5 دولار منطقيًا بل وقد يكون أكبر عند احتساب جميع التأثيرات.

مقارنات دولية: دروس يمكن الاستفادة منها

  • إيطاليا: مدينة ماتيرا التي استثمرت في التراث تحولت من منطقة مهمشة إلى وجهة سياحية أوروبية، وولّد الاستثمار الثقافي وظائف لم تكن موجودة سابقًا.
  • كوريا الجنوبية: من خلال تصدير الموسيقى (K-Pop) والأفلام (Parasite، Squid Game)، أصبحت الثقافة مصدر دخل قومي يدر مليارات الدولارات ويعزز الصناعات الأخرى مثل الموضة والسياحة.
  • المملكة المتحدة: لندن تُعد نموذجًا لكيفية مساهمة المسارح والمتاحف في الاقتصاد، حيث تساهم الصناعات الإبداعية بأكثر من 111 مليار جنيه إسترليني سنويًا في الناتج المحلي.

هذه النماذج تُظهر أن الاستثمار الثقافي عندما يُدار برؤية واضحة يمكن أن يتحول إلى قوة اقتصادية ناعمة وصلبة في الوقت نفسه.

السعودية ورؤية 2030: كيف يتحقق الهدف؟

تسعى المملكة إلى مضاعفة مساهمة القطاع الثقافي ثلاثة أضعاف بحلول 2030. لتحقيق ذلك، هناك عدة محاور أساسية:

  1. زيادة الفعاليات الثقافية الدولية لجذب السياحة الخارجية.
  2. تطوير البنية التحتية مثل المسارح، المتاحف، مراكز الفنون.
  3. دعم الكوادر الوطنية عبر التعليم والتدريب في المجالات الإبداعية.
  4. تعزيز التصدير الثقافي (الموسيقى، الأفلام، الفنون الرقمية) لبناء علامة سعودية عالمية.
  5. الشراكات مع القطاع الخاص لضمان استدامة التمويل والتسويق.

تصريح وزير الاقتصاد السعودي بأن كل دولار يُنفق في الثقافة يولد 2.5 دولار في الاقتصاد ليس شعارًا دعائيًا، بل حقيقة اقتصادية مدعومة بأدلة محلية ودولية. الثقافة لم تعد مجرد نشاط ثانوي، بل أصبحت رافعة استراتيجية للتنويع الاقتصادي، لخلق الوظائف، وجذب الاستثمارات، وتعزيز صورة المملكة عالميًا.

ومع استمرار المملكة في الاستثمار الذكي بالثقافة والفنون، يمكن القول إن الاقتصاد الثقافي السعودي سيصبح خلال سنوات قليلة أحد المحركات الرئيسة للنمو المستدام، بما ينسجم مع طموحات رؤية 2030.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *