كيف يؤثر العقل الباطن على قراراتنا اليومية؟
هل سبق لك أن توقفت لحظة لتفكر في السبب الذي يدفعك لاختيار طريق معين دون غيره أو اتخاذ قرار معين دون تفكير عميق؟ في الحقيقة، جزء كبير من قراراتنا اليومية لا يصدر عن العقل الواعي، بل ينبع من أعماق عقولنا، من منطقة خفية تُسمى “العقل الباطن”.
هذا المقال يأخذك في رحلة لفهم كيف يؤثر هذا العقل الخفي على قراراتك اليومية.

كيف يعمل العقل الباطن في قراراتنا اليومية؟
العقل الباطن يشبه المحيط العميق الذي يخزن فيه الإنسان تجاربه، مشاعره، وعاداته منذ الطفولة وحتى اللحظة الحالية. وفقًا لجوزيف ميرفي في كتابه الشهير “The Power of Your Subconscious Mind”، فإن العقل الباطن لا يفرق بين الحقيقة والخيال، بل يتعامل مع ما نُدخله إليه باعتباره واقعًا، وبالتالي يعيد إنتاجه في قراراتنا وسلوكياتنا اليومية.
على سبيل المثال، الشخص الذي تعرّض لتجارب سلبية مرتبطة بالتحدث أمام الجمهور قد يجد نفسه يتجنب هذا الموقف دون وعي، ليس لأن الموقف الحالي سلبي، بل لأن العقل الباطن ربطه بتجربة غير مريحة سابقة. كذلك، تؤكد الأبحاث أن أكثر من 90% من قراراتنا تحدث بشكل لاواعي، نتيجة برمجة عميقة في عقولنا.
البرمجة اللاواعية وتأثيرها على اختياراتنا
منذ ولادتنا، يبدأ العقل الباطن في تخزين المعلومات، المواقف، والانطباعات، ليُعيد تشكيل سلوكياتنا بمرور الوقت. وتلعب البيئة، الأسرة، والمجتمع دورًا كبيرًا في برمجة هذا الجزء من العقل. يتحدث ميرفي بإسهاب عن كيفية استخدام التكرار والإيحاء كوسيلة لإعادة برمجة هذا العقل، بحيث يصبح حليفًا لنا لا عقبة في طريقنا.
تأثير البيئة والإيحاءات اليومية
العقل الباطن يتأثر بكل ما يحيط بنا: الكلمات، الصور، الموسيقى، وحتى الأشخاص. قراراتنا اليومية، بدءًا من الطعام الذي نتناوله وصولاً إلى العلاقات التي نختارها، كثيرًا ما تكون انعكاسًا لما تلقيناه من إشارات لاواعية.
مثال:
عندما نشاهد إعلانًا تكراريًا عن منتج معين، نجد أنفسنا نميل إليه لاحقًا دون سبب واضح. هذا السلوك هو نتاج العقل الباطن الذي تلقى رسائل خفية وتمت برمجته بناء عليها.
الذكاء العاطفي كمفتاح لتحرير قراراتنا
يضيف دانيال جولمان في كتابه “الذكاء العاطفي” بُعدًا مهمًا لفهم تأثير العقل الباطن، موضحًا أن القدرة على إدراك عواطفنا والتحكم بها يمنحنا أداة للتحكم في القرارات العاطفية التي تنبع لاواعيًا. من خلال رفع الوعي العاطفي، نصبح أكثر قدرة على ملاحظة دوافعنا اللاواعية وإعادة توجيهها.
اقرأ أيضا: أفكار مبتكرة لزيادة إنتاجيتك وتحسين نفسيتك في العمل
كيف يمكننا توجيه العقل الباطن لاتخاذ قرارات أفضل؟
إدراك وجود العقل الباطن وحده لا يكفي، بل ينبغي تعلم كيفية التعامل معه وإعادة برمجته نحو الإيجابية والنجاح. جوزيف ميرفي يشير إلى أهمية الإيحاءات الإيجابية اليومية، حيث أن ما نردده باستمرار يتحول إلى قناعة راسخة.
لبرمجة العقل الباطن:
- استخدم عبارات إيجابية يومية مثل: “أنا أستحق النجاح”.
- مارس التأمل والتصور العقلي للنتائج التي ترغب بها.
- أحط نفسك بأشخاص ملهمين وبيئة داعمة.
الذكاء العاطفي كداعم للعقل الباطن
التحكم في الانفعالات والقدرة على تهدئة النفس في المواقف الضاغطة يمكن أن يقلل من تأثير البرمجة السلبية. ينصح جولمان بتقنيات مثل التنفس العميق والتفكير قبل رد الفعل لضمان قرارات أكثر توازنًا.
دراسات علمية عديدة أثبتت أن الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عاطفي مرتفع يتخذون قرارات أكثر اتزانًا ونجاحًا في حياتهم.
الحب كقوة داخلية مؤثرة
تقدم هيلين فيشر في كتابها “Why We Love” تفسيرًا علميًا لكيفية تأثير مشاعر الحب والانجذاب على قراراتنا. مشاعر الحب ليست فقط علاقات، بل يمكن أن تكون محركًا داخليًا يدفعنا لاختيار الأفضل، سواء في العمل أو العلاقات أو حتى نمط الحياة.
اقرأ أيضا: 7- أشياء “لتقوية الذاكرة”والذكاء وسرعة الحفظ
كيف نحافظ على عقل باطن صحي ومستدام؟
الوقاية خير من العلاج. الحفاظ على عقل باطن إيجابي يتطلب ممارسات مستمرة مثل الامتنان اليومي، مراجعة الذات بانتظام، وتغذية العقل بمحتوى هادف.
اجعل من حبك لذاتك ولما تفعل دافعًا إيجابيًا. ركز على نقاط قوتك وتقدّم نحو أهدافك بثقة، لأن العقل الباطن سيستجيب دومًا لما تزرعه فيه.
العقل الباطن ليس مجرد فكرة غامضة، بل هو قوة فعالة تشكل اختياراتنا وسلوكياتنا كل يوم. باستخدام قوة التفكير الإيجابي، الذكاء العاطفي، وتحفيز الذات بالحب والشغف، يمكننا توجيه هذا العقل الخفي نحو قرارات أفضل وحياة أكثر توازنًا. كما يقول جوزيف ميرفي: “أنت ما تعتقده في أعماقك”.